زيادة ميزانية الدفاع الإسرائيلية- التحديات الاقتصادية والمخاطر الأمنية

المؤلف: حلمي مُوسى09.24.2025
زيادة ميزانية الدفاع الإسرائيلية- التحديات الاقتصادية والمخاطر الأمنية

في مستهل الأسبوع الفائت، قدمت لجنة نيجل، المكلفة بدراسة ميزانية الدفاع وتطوير القوة في الجيش الإسرائيلي، تقريرها الختامي لرئيس الوزراء، ووزير المالية، ووزير الدفاع. وبعد دراسة معمقة للمخاطر والتحديات المحتملة التي ستواجهها إسرائيل في العقد القادم، أوصت اللجنة بزيادة ملموسة في ميزانية الدفاع، بدءًا من العام الحالي، بمبلغ 9 مليارات شيكل (مع العلم أن الدولار يعادل 3.7 شيكل)، مع توقعات بزيادات إضافية تتراوح ما بين 9 إلى 15 مليار شيكل في كل سنة من السنوات الخمس المقبلة.

ووفقًا لما أوردته وسائل الإعلام الإسرائيلية، اقترحت اللجنة رفع ميزانية الدفاع بمقدار 133 مليار شيكل على مدار العقد المقبل، وهو رقم ضخم يثير تساؤلات حول التبعات الاقتصادية.

وتثير هذه الزيادة الهائلة المقترحة قلقًا بالغًا في الأوساط الإسرائيلية، خشية تأثيرها السلبي على الاقتصاد، إذ يُتوقع أن تستحوذ ميزانية الدفاع على ما لا يقل عن 20% من إجمالي الميزانية العامة. وقد أثارت هذه التوقعات ردود فعل معارضة فورية، حتى من قبل محافظ بنك إسرائيل نفسه.

ويرى الإعلام الإسرائيلي أن حدثين اقتصاديين مصيريين لمستقبل الاقتصاد الإسرائيلي قد تزامنا في وقت واحد تقريبًا:

  • الأول: تسليم التقرير الختامي للجنة نيجل، الذي يتضمن توصيات بزيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي.
  • الثاني: إعلان محافظ بنك إسرائيل، أمير يارون، عن سياسته الاقتصادية والنقدية الجديدة، التي تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار المالي في ظل هذه الظروف المتغيرة.

وتشير خلاصة توصيات لجنة نيجل إلى أن ميزانية الدفاع ستقفز بنحو 30 مليار شيكل سنويًا، حيث سترتفع من مستوى 68 مليار شيكل حاليًا، إلى حوالي 98 مليار شيكل، أي بزيادة تتجاوز 42%. وبالنظر إلى أن اللجنة قد أوصت بزيادة تتراوح بين 9 إلى 15 مليار شيكل سنويًا، فإن هذه الزيادة تأتي بالإضافة إلى مبالغ أخرى سبق اعتمادها.

واقترح أعضاء لجنة نيجل تخصيص مبلغ إضافي قدره 130 مليار شيكل لميزانية الدفاع في السنوات العشر القادمة، بالإضافة إلى مبلغ 62.4 مليار شيكل كان رئيس الوزراء قد وافق عليه سابقًا كإضافة لبناء القوة العسكرية، ومبلغ 60 مليار شيكل تم إقراره لصالح قسم إعادة التأهيل ورعاية العائلات الثكلى.

وبناءً على كل هذه الإضافات، من المتوقع أن ترتفع ميزانية الدفاع لعام 2025 من 64 مليار شيكل إلى 123 مليار شيكل. ومع ذلك، وكما كان متوقعًا، يرى الجيش الإسرائيلي أن هذه الزيادة ليست كافية، على الرغم من أنه ليس من الواضح تمامًا ما إذا كانت هذه المطالب واقعية في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة.

وفي المقابل، أعلن محافظ البنك المركزي عن سياسته الاقتصادية قائلاً: "منذ اندلاع الحرب، أكدت أنه حتى لو كان من الضروري زيادة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الحرب، فمن الأهمية بمكان تقييد مسار هذه الزيادة، بحيث يؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض حجم الدين في المستقبل. ومن الضروري تبني إجراءات بديلة من شأنها أن تمنع تفاقم العجز المتوقع. وبهذه الطريقة، سيتمكن الاقتصاد من السير على مسار تنازلي لنسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بدءًا من عام 2026 فصاعدًا. ومن الأهمية بمكان أن يصاحب أي زيادة في ميزانية الدفاع، اعتبارًا من عام 2026، إجراءات تعويضية تضمن مسارًا تراجعيًا كبيرًا ومستمرًا لنسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي".

وتشير التوقعات إلى أن نسبة الدين العام قد تصل إلى 70% من الناتج الإجمالي بحلول نهاية عام 2026، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا للاقتصاد الإسرائيلي.

وقد سلمت اللجنة التي يرأسها البروفيسور يعقوب نيجل تقريرها الختامي بعد مضي 5 أشهر على تشكيلها، مما يعني أنها بدأت أعمالها في خضم الحرب الدائرة، وفي ظل وضوح احتياجات الجيش ومتطلباته بشكل جلي، ومع تزايد التقديرات التي تشير إلى أن المهمة الرئيسية للجيش في المرحلة القادمة هي التصدي لإيران.

وصرح بنيامين نتنياهو، خلال تسلمه التقرير، قائلاً: "لقد كنا على دراية منذ سنوات بأن إيران هي أكبر تهديد لنا، سواء بشكل مباشر أو من خلال وكلائها. ونحن ندرك أن هذا الخطر لا يزال قائمًا، وأن قوات إضافية تدخل المنطقة، وعلينا أن نكون على أهبة الاستعداد دائمًا لمواجهة أي تطورات محتملة".

واقترحت اللجنة حلًا مبتكرًا لمشكلة استنزاف جنود الاحتياط، وذلك من خلال استحداث 8000 وظيفة عسكرية جديدة "قصيرة الأجل" للجنود الذين يخدمون في جزء من التشكيلات القتالية وتشكيلات التكنولوجيا والاستخبارات.

وتجنب التقرير تحديد مجموعات سكانية معينة مطلوبة للخدمة، لكن أعضاء اللجنة أشاروا إلى أن العرب والحريديم يمكن أن يسهموا في تخفيف العبء. ووفقًا للجنة، فإن الخدمة الإلزامية المتساوية لجميع المواطنين هي مبدأ أساسي في المجتمع الإسرائيلي، حيث يتمتع جميع مواطني الدولة بحقوق وواجبات متساوية، ويتعين عليهم تحمل عبء الخدمة.

وأوصت اللجنة بالتعجيل بتنفيذ قرار تمديد الخدمة الإلزامية إلى 36 شهرًا، بالإضافة إلى وضع أطر عمل تعتمد على الخدمة قصيرة المدى، بهدف تخفيف الضغط على نظام الخدمة الاحتياطية.

ومع أن لجنة نيجل تعاملت بشكل أساسي مع مسألة "رأس المال البشري"، أي الوظائف في الجيش، فإن الاهتمام الأكبر انصب على تقييمها للمخاطر التي تتجاوز الحدود المباشرة، معتبرة أن الدائرة الرئيسية هنا هي إيران.

وأوصت اللجنة بتعزيز البنية التحتية الاستخباراتية لمواجهة إيران وحلفائها، والتركيز على العمليات الاستباقية، وعزل الساحات، لتمكين الجيش من العمل في عدة جبهات في آن واحد.

كما أوصت اللجنة بتوجيه كافة الزيادات في الميزانية نحو التحول من المفهوم الأمني القائم على الاحتواء والحماية إلى مفهوم الوقاية والاستعداد، بالإضافة إلى بناء القدرات اللازمة للرد الفوري، وغير المتناسب في بعض الأحيان، والاستعداد لخوض حرب وشن ضربات استباقية.

وجاء في تقرير اللجنة أن الحرب التي تخوضها إسرائيل منذ 16 شهرًا "كشفت عن الضعف النسبي في الاعتماد المفرط على المفهوم الدفاعي، الذي قيد دولة إسرائيل بواقع الجولات المحدودة في مواجهة العدو، مما عزز قوة الأعداء على حدودنا".

 وتابعت اللجنة في تقريرها أنه "يتعين على جيش الدفاع الإسرائيلي أن يتبنى، إلى جانب الحفاظ على قدراته الدفاعية بل وتوسيعها، مفهوم العمليات الهجومية والوقائية، بطريقة تستخدم قوة الجيش الإسرائيلي ليس فقط للدفاع ضد التهديدات، بل لإزالة التهديدات أثناء تشكلها أو قبل ذلك".

وتوصي اللجنة في تقريرها بتزويد الجيش الإسرائيلي بميزانيات تصل إلى عدة مليارات من "الشيكلات"، لإنشاء منشآت تحت الأرض مقاومة للهجمات الصاروخية من النوع الذي يتم تطويره في إيران وكوريا الشمالية ودول أخرى.

بالإضافة إلى ذلك، توصي اللجنة بزيادة قوام الجيش بعشرات الآلاف من الجنود الإضافيين. ومن الطبيعي أن تتطلب الزيادة الكبيرة في ميزانية الدفاع زيادة في ميزانية الدولة، وكذلك في نسبة العجز.

وكانت اللجنة قد أشارت في توصياتها المؤقتة في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 إلى سلسلة من التوصيات التي تركز على ضرورة زيادة العتاد في مجال التسليح، والأدوات المحمية على الأرض، وفي الأذرع البحرية والجوية، وكذلك توصيات تتعلق ببناء القوة البشرية ومسؤولية الدولة تجاه الموظفين، مع توصية برفع المعايير في شعبة التأهيل بوزارة الدفاع، بسبب ارتفاع عدد الجرحى في الحرب.

وتوصي اللجنة بشكل قاطع بإعطاء الأولوية لشراء طائرات التزود بالوقود وتحسين الاستعداد لرحلات أكثر تكرارًا يزيد مداها عن 1000 كيلومتر. وكذلك البدء في عملية تجهيز سربين أو 3 أسراب من الطائرات المقاتلة الحديثة، وهو الأمر الذي يتطلب قرارًا حكوميًا، حيث تتراوح التكلفة المباشرة لكل سرب بين 1.5 إلى 2 مليار دولار. إضافة إلى ذلك، توصي اللجنة بشراء سرب آخر من طائرات الهليكوبتر القتالية في أسرع وقت ممكن كجزء من الحاجة إلى تعزيز الدفاع عن الحدود.

وكان الجانب الفكري المتعلق بنظرية الأمن والحرب الإسرائيلية من الأمور الهامة في توصيات لجنة نيجل، حيث طالبت بـ"الانتقال من مفهوم "الاحتواء" والحماية إلى مفهوم "الوقاية" والاستعداد، إلى جانب بناء القدرات للاستجابة الفورية، وحتى غير المتناسبة أحيانًا، في إشارة محتملة إلى تعديل المفهوم الأمني الإسرائيلي الذي يستند إلى 3 دعائم أساسية: الردع، والإنذار، والحسم.

ويرى الكثيرون أنه لم يعد كافيًا بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، الاعتماد على مفهوم الردع وحده، بل أصبح من الضروري اللجوء إلى الضربات الوقائية. وشدد التقرير على أن "كارثة 7 أكتوبر/ تشرين الأول لم تحدث بسبب نقص الميزانية، ولا بسبب حجم الجيش"، لكنه أضاف أن "الحرب الطويلة زادت من حدة الاحتياجات والفجوات والمشاكل المتوقعة التي لا يمكن تجاهلها والتي لا ينبغي الوصول إليها، خاصة في مجال بناء القوة، وحجم "الاستعداد".

وينص التقرير أيضًا على أنه في ضوء أحداث 7/10، لا بد من القيام بـ "إدارة المخاطر"، أي الأخذ بالحد الأدنى من هامش الخطأ المسموح به في كل قطاع، وأنه لا يمكن الاعتماد على منطقة تحذير استخباراتية فقط لغرض الاستعداد العملي. وتتعارض هذه التوصيات مع السياسة التي اتبعها رئيس الوزراء نتنياهو في السنوات الأخيرة ونهج "إدارة الصراع" الذي قاده.

وفي الإجابة عن سؤال حول مصادر التمويل المطلوبة، يشير التقرير إلى أن 52% من ميزانية الدفاع الحالية تذهب للاستعداد للعمل في الدائرة الثالثة، وفي الدفاع الجوي (26% لكل منهما)، بينما يتم تخصيص نسب أقل لأمور أخرى مثل الاحتياطيات والكفاءة (13%)، وحماية الحدود (4%)، والاستقلالية التسليحية والتكنولوجية (1%).

وترى اللجنة أن هناك حاجة لزيادة الاستعداد لمواجهة الدائرة الثالثة إلى 29%، فيما تصبح ميزانية الدفاع الجوي 20%، وحماية الحدود 6%، والاستقلالية التسليحية 6%. وهذا يعني أن الزيادة في المكونات الأخرى ستأتي على حساب الدفاع الجوي الذي سيهبط إلى 20%، والاستثمار في القوة البشرية الذي يهبط إلى 15%، والاحتياطات والكفاءة 19%.

وتقترح اللجنة تغطية 3 مليارات شيكل من المليارات التسعة المقترحة في الزيادة السنوية من مبلغ الـ 16 مليار شيكل التي سبق أن أقرت زيادتها على ميزانية الأمن الجاري المعزز.

وتوصي اللجنة بزيادة نسبة العجز في الميزانية بنسبة 0.5%، وعدم فرض ضرائب جديدة غير التي تقررت، وتمويل جزء آخر من احتياطيات قاعدة الميزانية، وفي السنوات المقبلة من زيادة نسبة النمو ومصادر أخرى.

إلا أن خبراء اقتصاد في إسرائيل يرون أن توصيات لجنة نيجل قد دقت ناقوس الخطر بشأن الاقتصاد الإسرائيلي. فهذا التقرير، الذي أعقبه إقرار الميزانية العامة بعد أسبوع واحد فقط من بداية عام 2025، يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن المراسيم التي دخلت حيز التنفيذ تمثل "الحساب الختامي" الذي سينتج عن التكاليف الباهظة للحرب.

لكن هذا ليس هو الحال تمامًا، فقد حذرت وزارة المالية أيضًا مرارًا وتكرارًا من أن زيادة ميزانية الدفاع دون مصدر تمويل مستقر سيكون مكلفًا للمواطن العادي.

وفي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حذر كبير الاقتصاديين في وزارة المالية من أن إضافة 10 مليارات شيكل إلى ميزانية الدفاع ستكلف الأسرة المتوسطة حوالي 4 آلاف شيكل سنويًا. وستنعكس هذه التكلفة في زيادة الضرائب وتقليص الخدمات العامة وفقدان دخل الأسر.

ويهدد الارتفاع المطرد في الإنفاق الدفاعي بزيادة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وإعادة البلاد إلى الحقبة التي أعقبت حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، والتي اتسمت بتراجع الإنفاق المدني والاستثمارات في الاقتصاد. وتعتبر هذه خطوة محفوفة بالمخاطر في بلد تعجز حكومته عن إجراء تعديلات جوهرية في الميزانية العامة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة